الاثنين، 13 أبريل 2009

فنجان قهوة صباحي

استيقظت فى الساعة السابعة صباحاً, بدأت يومها متعكرة المزاج حائرة, ليلة الأمس لم تنم جيداً, أو لم تنم كما ينبغى, بدلت ملابسها بسرعة, شربت فنجان قهوتها على عجل, علها تصحو من كابوس ليلة مضت.وصلت العمل متأخرة نصف ساعة, كان يتوجب عليها أن تمر بمديرها الذى لا تطيق النظر إلى وجهه, أسمعها بعض الكلمات التى تبغضها, انطلقت للعمل, جلست أمام الحاسوب, كان عليها إنجاز الكثير من العمل المتراكم منذ يومين, فمؤخراً لم تكن تشعر بشعور جيد, وكانت تترك العمل لليوم الذى يليه, وهكذا ازداد حنق المدير عليها, حتى أنه فى النهاية حذرها من عواقب غضبه عليها, وهددها بخصم شىء من راتبها الشهرى.اتصل مدير القسم بينما كان رأسها مندساً بين أكوام الورق المتناثر فى كل مكان على المكتب, أوراق هنا وكتب هناك, أقلام هنا وفنجان قهوة هناك, مقصات وأقلام رصاص ولاصق شفاف, أجابت على الهاتف رغماً عنها, وأى خبر نقل لها؟موظف جديد تم تعينه فى القسم إلى جانب مكتبها, وأنه ما زال من غير هاتف, طلب منها أن تخبره أنه يريد أن يراه من أجل عمل ما, سحبت كرسيها بتوتر شديد و تمتمت: هذا ما كان ينقصنى, أنادى هذا من أجل ذاك, أريد أن أعرف ما طبيعة وظيفتى فى هذه المؤسسة اللعينة.......مشت بخطوات متثاقلة, وصلت إلى المكتب المجاور, شعرت بأنها مشت منذ مدة طويلة, تعبت, وقفت أمام مكتبه, كان يبدو شاباً, صغير السن, طفلاً لم ينضج مطلقاً, ساذجاً لا يعرف الكثير عن العمل والناس, نظرت إليه من أعلى إلى أسفل, وجهت له سؤالاً دون مقدمات: هل أنت الموظف الجديد؟ وكأنها لا تدرى.- نعم.- سمعت أنك لم تحصل على هاتف بعد, مدير القسم يريدك حالاً.- شكراً, ساذهب حالاً.لم تجبه بكلمة واحدة, خرجت من مكتبه متعالية مختالة, وعادت إلى حيث كانت, تحاول ترتيب ما كان متناثراً, جلست تصنف الأشياء, كتباً أجنبية, كتباً عربية, مجلات, أقراصاً مضغوطة, صوراً لتشى جيفارا لا تدرى من أين حصلت عليها, تمثالاً صغيراً لحنضلة كتب تحته بالرصاص ناجى العلى, هذه أقلام حبر ألمانية ملونة, أهدتها لها صديقة جاءت لزيارتها من ألمانيا فى الأسبوع الفائت, سماعة الحاسوب ما زالت تصدح بصوت فيروز, قديش كان فى ناس على المفرق تنطر ناس وتشتى الدنى ويحملو شمسية وأنا بأيام الصحو ما حدا نطرنى.اقتحم الموظف الجديد عليها خلوتها بكل ما لها بمكتبها, كانت ضائعة بين كل هذا, قال: المدير يريدنى أن أتدرب لديك, أن تطلعينى على كل شىء, حتى أستطيع العمل ومساعدتك.رفعت رأسها من على مكتبها, قالت: لماذا تفترض أننى بحاجة إلى مساعدة, ومنك أنت؟- أنا لا افترض, أراك بحاجة لمن يساعدك, ألا ترين حالتك وحالة المكتب, كل شىء متناثر كقطرات الندى على أوراق الأشجار فى الصباح الباكر.- وتستعمل تشبيهات لتقنعنى أيضاً؟!- لست هنا لأقنعك, لو سمحت من أين سنبدأ؟- سنبدأ من مكتبك الذى ما زال دون هاتف, لو سمحت اتركنى أكمل ما بدأت به ولا تقلق راحتى, مزاجى متعكر منذ الصباح.- كل ما أريده هو مساعدتك, اسمحى لى, لن أتحدث ولو بكلمة, حتى لا يزداد تعكر المزاج لديك, وإذا أردت, اصنع لك فنجان قهوة.- حسنا, اجعلهما اثنين.- سأعد القهوة، بينما تحاولين وضع النقاط على الحروف فيما يخص ملفاتك المتناثرة.- هل عليك تذكيرى كل لحظة أن مكتبى بحاجة إلى ترتيب من نوع ما؟- لا عليك، سأكمل عملى صامتاً.- أفضل لك.أخذ يصنع فنجان القهوة, وأخذ يراقبها, كانت منفعلة جداً, غاضبة إلى أبعد الحدود, لم يرى فتاة بهذا المزاج المتعكر يوماً.انتهى من قهوتها, قدمها صامتاً, و شربت دون أن تنطق حرفاً واحداً, بدت مرتاحة بعض الشىء, تنفست بهدوء, أخدت تجول المكان بعينيها: أنجزت القليل وما زال أمامى يوم كامل من العمل.ابتهج بسماع أول الكلمات بعد صمت طويل, تشجع: سأبقى معك حتى تنتهى من كل هذا.احمرت وجنتها, اعتذرت عن سوء معاملتها له, وابتسمت, عملا بجهد حتى ساعات المساء, ظلا صامتين يراقب أحدهما الآخر, ابتسمت عندما عاد مكتبها إلى حالة الاستقرار من جديد, قالت: شكراً لقد تعدل مكتبى و مزاجى.شعر بالرضا عن نفسه, أخذ معطفه عائداً إلى المنزل, وهى نامت ليلة هادئة دون كابوس يذكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق